الأربعاء، 23 سبتمبر 2015


قبسات من حياة يحي علي ياغي الفنّيّة

بقلم: حسين أحمد سليم

بدأ الفنّان التّشكيلي يحي علي، ياغي حياته الفنّيّة التّشكيليّة في مدينة الشّمس بعلبك، سيّدة بقاع لبنان و مدينة البطولات و الفنون المختلفة العريقة، و هو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره، عندما بدأ يسكب مزيجا من ألوانه الأولى على مساحات من لوحات بسيطة كانت باكورة ولادة عمله الفنّي و بدايات بروز شخصيّته الفنّيّة البعلبكيّة...

و لمس فيه والده الشّرطيّ هوايته و حبّه للفنّ التّشكيلي و الرّسم، فأدخله إلى أحد المعاهد الفنّيّة "معهد غوفدير"  الوحيد في العاصمة، التي كانت تموج بأهوال و أطياف من الألوان و الأشكال، و جيوش من كلّ حدب و صوب، من الفنّانين التّشكيليين و الرّسّامين و المتمسّكين بأهداب الفنّ التّشكيلي و مدارسه و أساليبه...

و لمع الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي من بين زملائه، عندما برزت خيوط لوحاته، للمرّة الأولى في إحدى المعارض الفنّيّة، و كانت لوحته تحت إسم: "ولادة"، أوّل لوحة نال عليها جائزة تقديريّة، دفعت به قدما لخوض غمار و مسارات الفنّ التّشكيلي... و لم يقتصر عمله على ولادة هذه اللوحة فحسب، بل قدّم لجمهوره و متذوّقي فنّه التّشكيلي لوحات عديدة عُرف منها: "أمل و يأس" و "جوع و خوف" و "آدم و حوّاء"... و غيرها من المحاولات الفنّيّة التّشكيليّة النّاجحة، التي قدّمها في معرضه، الذي أقيم تحت إشراف جمعيّة رعاية الطّفل و الأمّ في مدينة الشّمس بعلبك، و حضره نخبة كبيرة من المواطنين و مُقدّري الفنّ التّشكيلي و الموهبة...

صنّفه مجلس الجامعة اللبنانيّة في الفئة الثّانية، بمعدّل ليسانس معادلة لشهادة معهد غوفدير...

و قد مرّ الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، بمراحل عديدة في سلسلة معارض تجريبيّة لمعالجة البيئة الشّرقيّة... بحيث لامس في نتاجاته الفنّيّة التّشكيليّة فنون الأرابيسك، و راح ينقد البيئة دون أن يعزّزها، بل يرسم شكلها المثالي الذي يجب أن يكون عليه... و كأنّه كان يعمل من خلال تجاربه الفنّيّة و رؤاه التّشكيليّة، على أن يتعالى الألم ليسكن الجمال مكانه...

كان على الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي في كلّ معرض فنّي تشكيلي له، أن يأتي بفكرة و عالم جديدين، يُجسّد من خلالهما إنطباعاته الذّاتيّة، مُجسّما تراثا عريقا في طابع شرقي متطوّر... و هو الفنّان الذي كان يُؤمن بتحديد الشّكل و الإطار، لأنّهما دلالة واضحة عن موضوعيّة منظورة. يسلخها من بيئة ريفيّة معيّنة أو عالم ما، و بالتّالي كان لا يستطيع أنّ يتخلّص من معطيات المدرسة الشّرقيّة التي يتأثّر بها، و يُحسّ أنّه سيغرف الكثير من منابعها التي لا تنضب رغم إنجراف فنّاني العصر نحو التّيّارات الفنّيّة الحديثة...

و لتكوين التّراث لديه، مهمّة شائكة، فهو دائما يبحث عن أداة تعريف و واقع نموذجي، ليصهرهما بتقنيّة ممهورة... فالفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي في غالبيّة معارضه، كان يُحاول بجدّيّة إعطاء ذاك الجوّ التّقليدي للرّيف اللبناني، و من هنا كانت لوحاته التّشكيليّة الفنّيّة تُمثّل حسّيات الرّيف، و أجوائه الفطريّة و مراحل معيشته، و خبايا تنطق بالعفويّة من يوميّاته...

و قوّة اللون لدى الفنّان ياغي، الذّوّاق في فنون الرّسم، إضافة لِتحلّيه بأخلاق كريمة، كانت تساعده في إبراز خطوطه، و في التّعبير عمّا يُحسّه هو بالذّات إتّجاه كلّ ما يُحيط به من جماليات...

مواضيع الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، كانت مُستمدّة في غالبيّتها من الحياة اليوميّة للنّاس العاديين، من عاداتهم، و أشغالهم، و إنتظارهم، و محادثاتهم، و هذا ما كان يُعطي اللوحات أسماء إنطلاقا من هذه الحالات الحياتيّة...

و المتتبّع للوحات و معارض الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، كان يتلمّس ألوانه البرتقاليّة، و الصّفراء، و البنّيّة، و الخضراويّة، الغارقة في أكثريّتها في حركات زخرفيّة، أوحتها له الخطوط الشّرقيّة و الإيرانيّة، التي تلفّ الأشخاص بخطوط لولبيّة، كأنّها وشوشات لونيّة حميمة...

و لوحات الفنّان التّشكيلي ياغي، كانت تريد أن تعطي لمتلقّيها صورة لحالات شعبيّة فيها الشّهادة و التّفسير و الوصف لأوضاع إنسانيّة و إجتماعيّة... و هذه تروي البؤس و الوحدة و الإنكسار في المجموعات المائيّة التي رسمها ياغي و كأنّ ثقلا يردّها إلى الأرض و يُصغّر من حجمها...

الوجوه في لوحات الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، البعلبكي، تعكس نفس وجوه أهل الجرد البعلبكي و الرّيف البقاعي و السّهول الممتدّة حول مدينة بعلبك، فالوجوه عنده دائما يرسمها مُلوّحة بلون الشّمس المحرقة، و بعري الأرض و التّلال...

الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، البعلبكي الذي ولد عشيّة عيد الإستقال اللبناني، من العام 1943 للميلاد، حيث رُفع إسم و راية و مجد لبنان عاليا، و فرض وجوده وطنا عربيّا مُستقلاً... في رحاب هذا اليوم للمناسبة التّاريخيّة العتيدة، أشرقت الشّمس مبتسمة في فضاءات مدينتها بعلبك، مُبشّرة بولادة الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، من رحم السّيّدة غفران مالك ياغي قرينة والده، الشّرطيّ...

إختار الفنّان ياغي أن يُتوّج معرضه السّادس في فندق الكارلتون ببيروت، بأجمل لوحاته الخالدة بخلود لبنان... حيث إمتطى صهوة خياله و سرح بأفكاره بعيدا فوق سطح القمر، فخلق بذكائه الخارق إبتكار لوحاته الغريبة الإبداع، التي رسمت حضارة لبنان القمر فوق أرض الأنبياء، أرض الحرّيّة و الكرامة و البقاء...

يحي علي ياغي، الفنّان التّشكيلي البعلبكي، شاء يومها أن يساهم في وجوديّة و كينونة لبنان الفضاء، فرسم ما رسم من أبعاد رؤى خياله الممتدّ، و أجاد بما رسم، حيث تمخّضت ريشته السّاحرة على أوتار الألوان، فأعطت أشكالا و ألوانا جديدة و مميّزة و مُشرّفة و مُمجّدة... حيث شاء أن يرسم لبنان فوق سطح القمر، متأثّرا بروّاد و رحلة أبّولو 11 المأهولة إلى سطح القمر و التي برز من روّادها يومها أرمسترونغ... فشاء وجود جغرافي للبنان على سطح القمر، الكوكب الذي تصارع العالم للوصول إليه... فأوجد الفنّان ياغي بريشته السّاحرة الحالمة، التي رسم بها لوحاته التي تُمثّل لبنان فوق سطح القمر...

و هكذا يكون إبن بعلبك الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي، قد ساهم برفع شعار وطنه عاليا، و إثباته فوق سطح القمر و إن فنّيّا و تشكيليّا... و بذلك يكون قد أعطى لبنان مجدا آخر، و منح وطنه إنطلاقا مُشرّفا في حياة الفنّ التّشكيلي و دنيا الجمال بمشهديات مغايرة، إتّسمت بسورياليّة تجريديةّ فنّيّة... حيث تألّقت بعض لوحاته بشكل رائدة لبنانيّة و على صدرها الأرزة الخالدة، بمركبة الأرز اللبنانيّة الخالدة، راسية في ميناء على سطح القمر بسلام... و هنا ترجم الفنّان ياغي بريشته و ألوانه جغرافيّة لبنان فوق سطح القمر، فأتت و كأنّها آية من الرّوعة و الخلود و الجمال، و كأنّه بلوحات معرضه لبنان فوق سطح القمر، يريد أن يُثبّت ملكيّة لبنان في القمر...

و من العادات اللبنانيّة العريقة، تكريم من يقوم بواجباته وفيّا و مخلصا بمنحه حقوقه تقديرا له، فالفنّأن ياغي الذي رفع أرزة لبنان فوق سطح القمر، يستحقّ التّقدير، و كان من الواجب المفترض على المعنيين منحه وساما إستحقاقيّا رسميّا لبنانيّا رفيع المستوى، تقديرا له على عطاءاته الفنّيّة التّشكيليّة في مرحلة وجوديّته في بعلبك لبنان...

ساهم الفنّان ياغي و أعطى و رسم و بذل جهدا مميّزا، ما لا يستطيع سواه من فنّاني لبنان في ذلك الوقت... الذي خُلق ببركة و رحمة الله تعالى، الفنّان ياغي في أجمل مناسبة لبنانيّة تاريخيّة...

رحل الفنّان التّشكيلي يحي علي ياغي إلى رحاب الله، بعد مرض عضال ألمّ به ففتك بما تبقّى من حياته، تاركا خلفه زوجته اثّكلى غفران مالك ياغي و طفلين صغيرين: زاهر و جوليانا... و برحيله إندثرت جميع أعماله و إختفت جميع موروثاته الفنّيّة التّشكيليّة و التي تجاوزت المئات ما بين لوحات و منحوتات، إلاّ ما كان ضمن ممتلكات وزاراة الثّقافة اللبنانيّة و البعض ممّن يقتنون منها شيئا و هم قِلّة... و حتّى أدواته و أشياؤه إختفت بقدرة قادر، و لم يبق منها إلا بعض وريقات لا تفي بغرض التّوثيق لأعماله و سيرته الشّاملة إلاّ بالنّذر القليل... و هكذا ساهمت كلّ الأشياء و الأحياء بنسيانه كفنّان تشكيلي بارز في مدينة بعلبك و لبنان و العالم العربي و الغربي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق