السبت، 5 سبتمبر 2015


سيّدةُ مدينةِ الشّمسِ رولاها الحاكمةُ

بقلم: حسين أحمد سليم

من قمّة جبل النّور السّاطع، حيث بقايا مرقد الوليّ أحمد الطّائع، و من منارة النّبي رشادة، إلى حيث تتماهى شمسُ بعلبكّ، بكوكبِ سيّدةِ مدينةِ الشّمسِ، رولاها الحكيمةُ الحاكمةُ، ديوتيما العصرِ، مُعلّمتي و ملهمتي الحبّ  الأقدس و العشق الأطهر، تتكوكبُ في قلبِ النّقطةُ الإشراقيّةُ، تتوامضُ كما النّجمِ الثّاقبِ في قبّة السّماءِ، تُشكّلُ قوسَ الألوانِ هالات أطيافٍ، لِتتجلّى آيةً من بدائع صنع الله عظمةً، تتلامعُ في مدى إمتدادتِ مدينة الشّمسِ، هيليوبوليس...

ناسكةٌ تتعبّدُ في قلب نبيٍّ، بصومعةٍ من صومعاتِ مدينة الشّمس، تبحثُ عن ذاتها في شغافهِ المتموسقةُ ولهًا في عظمة الله، سيّدةُ الحبّ الأقدسِ، و مليكةُ العشقِ الأطهرِ، نجمةُ صبحٍ، تغنّي آمالها على أوتار التّمنيّاتِ، المعسولة في غياهبِ خافياتِ الإفتراضياتِ، تتألّقُ كالجوهرِ المكنونِ في ذاتها، تُرتّلُ الله في السّحرِ قبل صلاةِ الفجرِ، تُبشّرُ سلامًا و أنسنةً و حياةً، بقدومِ سيّالاتِ الشّمسِ الحالمةِ الدّافئةِ، لمدينةِ الشّمسِ التّاريخيّةِ، تتماهى عنفوانًا و كبرياءً في الأفقِ الشّرقيِّ، قاب قوسينِ أو أدنى من القمم الشّمّاءَ في بلادي...

قدّيسة بعلبكّ رولاها الرّاهبةُ الصّوفيّةُ، ورثت من الأمسِ البعيدِ، صومعةَ قايينَ منذ البدءِ، ذلك الهاربُ في القفارِ و الصّحاري و السّهولِ، يعدو خلف السّرابِ في الصّحراءِ اليبابِ، اللاجيء قدرًا إلى غفران الرّبّ بقابيلَ القربانِ، يُقدّمُ الوعدَ الصّادق في بعلبكْ، عهدًا على مذبح المطهرِ المقدّسِ، يوقدُ شموعَ الخضرِ "العبد الصّالحِ" فوق صخرةِ القداسةِ،  حيث صُعِّدَ إلياس النّبي للسّماءِ، رسول الحقِّ لبعلبكَّ التّاريخِ، و تركَ خلفه كنيسةً على جرفٍ صخريٍّ، يقومُ على حراستها حجر الحبلى، كما يحرسُ مرقدَ خولةَ بنتَ الحسينِ...

شجرةُ السّروِ المعمّرةِ، رولاها التّكبيرُ و التّعظيمُ و الرّكوعَ و السّجودَ عبادةً أخرى، و مناجاةٌ و تهجّداتٌ و إبتهالاتٌ، تقامُ عند الضّريح الذي تهفوا إليهِ أفئدةُ النّاسِ، حبّا و عشقًا و تعظيمًا من كلّ حدبٍ و صوبٍ... كأنّها شجرة اللِزّابِ التّاريخيّةِ، التي بخسها حقّها القدر التغريبيُّ، ليُبوّيءَ شجرة الأرزِ محلّها زورًا و بهتانًا، شجرة اللِزّابِ في الجبالِ الشّماليّةِ الشّرقيّةِ لسهلِ البقاعِ، رولاها العربيّةُ التي تتحدّى قهر الصّعاب، تتعملق على العقبات في مطاوي المكانِ و الزّمانِ... و كأنّها الأعمدةُ السّتّ في هيكلِ جوبّيتّير َو معبدهِ... أرى في أسرارِ رولاها، الفينوسَ ربَّةَ الحُبِّ و العِشقِ، و مليكة الفتنةِ والإغواءِ و الإغراءِ...

تِهْ عنفوانًا وادي البقاعَ برولاكَ البعلبكيّةَ، رمزُ الإباءِ و سِرُّ العنفوان و الكبرياءِ، أرى فيها لِزّابّ لبنان الصّامدِ على مرِّ الزّعازِعِ، و أرز لبنان العتيدِ، بمجده و عزّهِ، و أستشعرها في البعدِ قبل القربِ، تاجَ العروبةِ، من الخليج الحرّ إلى محيطِ المحيطِ... الإنسانيّةُ دينها في روحِ الإنسانيّةِ، توحي الحقيقةَ للتّاريخِ الأصدقِ في توثيقهِ، و تلهم الجغرافيا الأطهرِ في إمتداداتها فوق الأرضِ...

الماضي و الحاضرِ و المستقبلِ، رُلاه بشاراتٌ في آياتِ سورة النّساءِ في القرآنِ، قداسةُ المودّةِ و طهارةُ الرّحمة، في ثنايا و سيّالاتِ روحَ الحبِّ الأقدسِ و العشقِ الأطهرِ...

أناديكِ سيّدةُ المدينةِ، رولاها الحاكمةُ، هل تسمعين ندائي؟ يا زينة الأسماء، و بسمة الغبراء، كم تتجلّى هالة طيفكِ الجميل بالسّناءِ، رغم البعدِ النّائي، أراه إسمكِ الموسيقيّ، يبسمُ لي في هدأةِ الليلِ و سكينةِ الظّلماءِ، و يتماهى كالقنديلِ المعلّقِ في قبّةِ الفضاءِ...

إسمكِ المبارك، يا حبيبتي، يتموسق به لساني، و تترنّم بمحارفه شفتي، إسمكِ مُقدّسٌ، طاهر الرّمزِ، لطيفُ الرّنّةِ، أُردّدهُ، أُجوّدهُ، أُرتّله برقّةٍ و شوقٍ و تشاغفٍ و لهفةٍ، أتحسّسهُ، أستشعرهُ ساريًا ينساب كأثير نسمةٍ من الأنسام...

إسمكِ الجميلُ ومضُ إشراقةٍ في وجداني،  يُداعبُ خيالي، يتغلغلُ في طوايا أحاسيسي، و تحلو له السّكنى في مخيّلتي، إسمكِ العذبُ المحارفِ، قٌدّ من رحمِ أبجديّة الضّادِ، تُرتّلهُ شفتيّ، و تردّده مناجاةً و إبتهالاتَ، كأنّه بشاراتُ إنجيلِ الحُبِّ، و الرّمزُ القدسيُّ في آياتِ المصحفِ المُنفردِ بذاته...

إسمكِ المُكتنزُ بأسمى المعاني، يُلهمني الإبداعَ و الخلق و الإبتكار، نثرًا و شعرًا و فنونًا في البعدِ، إسمكِ الفوَّاحُ بطيبِ العطرِ، يبعثُ في نفسي السّرورَ و الحبورَ، و يُنعشُ في قلبي الغبطةَ و الجذلَ، و يُجدِّدُ في فكري الطُمأنينةَ و الرّاحةَ، و يسمو بي فوق الحياةِ، و يعرجُ بي على صهواتِ التّرقّي صعدًا إلى السّماءِ، ليرودَ بي الفراديسَ الإِلهيّةَ، الموشّاةَ بالورودِ من كلّ شكلٍ و لونٍ، و اللينوفارِ الهنديِّ المقدّسِ...

إسمكِ يُنعشني، و ينتشلني من رميمي، فأمتشقُ الرّباب التّراثيّةَ، ذاتَ الوترِ الأوحدِ، المُختارَ من جودةِ ذيلِ الأصايلِ العربيّةِ في بعلبكّي، أُسقيه من دموعِ حجرِ اللُبّانِ، أشدّهُ حنينًا على حنينٍ، و أرفعه على صهوةِ الكُرّابِ، ليتجلّى ترنيمًا في إهتزازاتِ توجّدهِ المُموسقِ، و أمارسُ جنونًا آخرَ، عفقاتَ أناملي الحانيةِ الدّفءِ، تتلاعبُ خِفّةً على أطرافِ الوترِ، حث يستلقي الوترُ مطمئنًا على وسادته النّاعمةِ، و جرّاتَ تشاغفِ الوترِ الأوحدِ، تتوجّدُ على حنين الوترِ الأوحدِ، و أنا ثملٌ من حميميّةِ حُبّكِ الأقدسِ و عِشقكِ الأطهرِ، و أنتِ بعصاكِ التّراثيّةِ، تتمايلينِ فلكلورًا عريقًا، بقوامكِ الأملودِ، الممشوقِ فتنةَ إغواءٍ و إغراءٍ، على ذمّةِ الرّقصِ البعلبكيِّ الشّرقيِّ الرّيفيِّ، و دقّاتُ الأقدام بالأرضِ قوّةً، و الصّدرُ الكاعبُ بالإغواءِ، يُراقصُ نهديكِ النّاهدِينِ عنفوانًا، و حلمتيهما تشرئبُّ للعلا تتحدّيانني...

أُقلبنُ عقلي و أعقلنُ قلبي و أُتوّجكِ في الله حبيبتي، و أُسمّيكِ معشوقتي، و في التّوصيفِ لكِ، أسرارٌ، أبوح بها جرأةً، و ما بها أُعبّرُ، أبتكرُ الكَلِمَ من رحم وعيي الباطنيّ، و عرفاني الذّاتيّ، أُشكّلُ لها معانٍ أُخرُ، من قاموسِ خشوعياتِ تهجّداتي و مناجاتي، ليضوع الطّيبُ لكِ، و بعضُ الشّذْيِ وردٌ أنيقُ و ريحهث عطِرُ، يا نجمَ الصّبحِ الجميلِ و رولاهُ، يا الضّوءُ النّيّرُ...

أنتِ الحكيمةُ الحاكمةُ، يا سيّدةَ المدينةِ المُشمسةِ، مدينة الشّمس بعلبكّ، يا أصيلة العروبةِ، يا فخر الأسماءِ، و يا بسمةَ الغبراءِ و السَّماءِ، دائمًا و أبدًا، إسمكِ بفمي أُردّدُ، و بقلبي به أتموسق، حتّى تحينَ ساعةُ اللقاءِ...

  

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق