الخميس، 17 سبتمبر 2015


عصرنة أخلاقيّة

 بقلم: حسين أحمد سليم

إزدحام السّير على أكثريّة الطّرقات العامّة و الرّئيسيّة و الفرعيّة، و حتّى في الأزقّة بين بيوت الأحياء الشّعبيّة، و الأحياء الأكثر تمدّنا...

و تعاظم الإزدحام عند التّقاطعات المحكومة بإشارات المرور الضّوئيّة الآليّة و الرّقميّة، هذا إن كانت فاعلة و ناشطة ببركة وجود الكهرباء، و الطّامة الكبرى إن كانت متوقّفة تحت رحمة إنقطاع الطّاقة الكهربائيّة...

وتبرز حركة فعل الإزدحام عند الإنعطافات و الدّوّارات القاسية الإلتفافات، وعند إنحناءات الجسور و ضيق مساربها، و عند متاهات الأنفاق المعتمة الإضاءة، و التي تغرق بالمياه شتاءً، لسوء في صيانة قنوات التّصريف...

و حدّث و لا حرج عن الإزدحام، قرب بعض الأبنيّة الخدماتيّة الرّسميّة و التّربويّة، و أمام أبنية الوزارات و البلديات و ما شابه، و الإدارات التي تتعاطى الشّأن العام...

هذا و للإزدحام تشكيليّاته السّورياليّة و التّجريديّة، في الشّوارع المحاطة الجانبين بالمحلاّت التّجاريّة، و أما المطاعم و المقاهي، و سيّارات تناول الوجبات السّريعة من السّندويشات و الكعك المزعتر، و القهوة و الشّاي، و المتواجدة عند جوانب الطّرق أو تحتلّ جزءًا من عرض الطّريق بغير وجه حقّ، تحت غطاء من الدّعم السّياسي أو الحزبي أو العشائري...

و للإزدحام حالته التي تتطلّب الصّبر الذي يفوق صبر أيّوب، عند حواجز المراقبات الأمنيّة الرّسميّة، و الحواجز الحزبيّة المشودرة بلباس عام تحت عناوين مفتعلة، و حركة التّفتيش عن الممنوعات، و فعل التّدقيق في هويّات المارّة و ركّاب الحافلات و سيّارات الأجرة...

و يدفعك الإزدحام إلى حرق الأعصاب عند حركة تضييق الطّرقات، و إقفال بعض المسارب، و فرض الجزر الأمنيّة، بمحيط بعض السّفارات و القنصليات، و أماكن سكن القيادات السّياسيّة و الحزبيّة، لتصطدم بمكعّبات من الإسمنت المسلّح، والتي تتشابه في الشّكل و كأنّها أنصاب و مسلاّت و تماثيل سورياليّة و تجريديّة، ناهيك عن المصلّبات الحديديّة المضافة...

الإزدحام أمر طبيعي، عايشناه كرها رغما عنّا، و عايشنا قهرا لنا، و غدا مسلسلنا اليومي صباحا و ظهرا و مساءً، و إعتدنا عليه مع غياب وجود المواقف العامّة و مرائب السّيّارات...

و للإزدحام قهره لنا شئنا أم أبينا، مع سوء التّدبير و التّنظيم و غياب من لهم المهامّ التّكليفيّة في هذا المجال، إلاّ ما قلّ و ندر...

وعلاوة على ما أوردنا البعض من أشكال الإزدحام، تبرز همروجة مزاجيّة و سوء أخلاقيّات همجيّة الكثير من جمهرة و زمر القبضايات المتنافخة بمرجعيّاتها التي على شاكلتها... إضافة للعديد من قرطة إمّعة بعض الأحزاب و بعض التّنظيمات و بعض الحركات و بعض التّيّارات... ناهيك عن ماسحي الجوخ لغايات يحاكوناه، و لأبّهيات مرافقي بعض الرّجالات السّياسيّة و الدّينيّة...

و ممّا يزيد في سوء الإزدحام، و على هذه الأنماط و الطّرز، من سوء الأخلاقيات الميدانيّة على الطّرقات و أرصفتها... و سيّما إزدياد الحالة سوءً، في المدن و البلدات الكبيرة و ضواحي المدن، مع بدايات العام الدّراسيّ في المدارس و المهنيات و الجامعات، في بدايات فصل الخريف من كلّ عام في وطننا لبنان... و هو ما يساهم بشكل كبير في هدر الوقت بغير طائل، و الإزدياد في إستهلاك الآليات و المعدّات و السّيّارات... و كذلك ضياع الطّاقات البشريّة، من دون إفادة في دفع عجلة العطاءات المتوجّبة، وفق التّكاليف لكلّ منها... عدا عن تعاظم حالات العصاب في ظلّ مثل هذه الإزدحامات... ممّا يؤدّي في بعضها إلى المشاجرات على أفضليّة المرور، أو التّوقّف في أماكن معيّنة، أساسا غير مسموح التّوقّف بها... و قد تكون النّتيجة تطاول و إعتداءات و مظالم و عراكات، و إطلاق نار من بعض العنتريات العصريّة، المدعومة سياسيّا أو حزبيّا أو عشائريّا أو من الأكواع المخالفة... ينتج عنها جروح و كسور و إعاقات دائمة، ناهيك عن الوقوع في حبائل جرائم القتل، ثأرا لغرور و تنافخ فارغ و في غير مكانه، و لا يمنح صاحبه إلا الشّتائم و اللعنات والتّحقير، عدا عن إيداعه السّجون، إن إستطاع رجال الأمن القبض عليه، قبل أن يفلت و يختفي عن الأنظار، محتميا عند من هم على شلكلته، من بعض الأقطاب العشائريّة أو الحزبيّة أو السّياسيّة، تمهيدا لفراره خارج البلاد إن إستطاع عبر بعض المسارب، و لم يقع في شرك القوى الأمنية التي تعمل ساهرة على أمن الحدود البريّة و البحريّة و الجويّة...

ما يلفتني مع كلّ صباح و مساء، و أنا أقطع بعض الطرق بضواحي مدينة بيروت، وصولا للإلتحاق بعملي في المدينة، و عودة إلى منزلي عند تخوم ضواحي بيروت، هو كثافة الإزدحام الخانق، بلا مبرّر فعلي، و الدّافع بالرّوح لتفيض قهرا و قسرا إلى رحاب السّماء...

هذا الإزدحام هو نتيجة، لحركات أفعال الإنفلات من أدنى مقوّمات الأنسنة، و الإقدام على ممارسة كلّ خافيات الوقاحة، و مساويء الأذواق و المزاجيات، بعرقلة المرور و التّجاوز اللا أخلاقي، بإغتصاب المرور عنوة و قهرا على الغير... مع التّفوّه الجهري اللا أدبي، بسيل من البذاءات و الشّتائم و السّباب، و التّفلّت من كلّ أشكال القوننة المروريّة، و تعريض الآخرين للإصطدامات بالمركبات، و تشويه معالم الآليات من الخارج، أو كسر نقاط الأضوية و الإشارات، بحكم خدوش الإحتكاكات من جرّاء الإزدحامات، نزولا قهريا، عند رعونة الكثير من أشباه النّاس شكلا، و أشباه ضواري الحيوانات المفترسة ضمنا...

و ما يثير قرفي و إستفراغي و إستيائي الذّاتي، و تعاظم عصابي النّفسيّ، و اللجوء إلى الجهر باللعنات على هكذا واقع فاسد أليم، تستشري فيه المفاسد الأخلاقيّة على سواها، و الذي نعيشه قهرا على قهر في مكان و زمان، لا وجود فيهما و لو بالحدّ الأدنى، لمكارم الأخلاق و محاسن الآداب، و الإلتزام بأدنى مقوّمات المناقب الإنسانيّة في حسن التّعامل على الطّرقات، و ممارسة الإحترام...

و يلفتني أولئك، الذين لا يطيب لهم، التّعامل مع الهواتف و برمجيّاتها التّواصليّة، إلاّ توكيدا مزاجيّا في عرقلة المرور عنوة، نزولا عند شهوتهم النّفسيّة الأسوأ خلقيّا، بلفت الآخرين إلى حقارتهم، بحركات أفعالهم الهواتفيّة المتعصرنة، محاكاة لنفوسهم الأشدّ سوءٍا و عصرنة، و من كلا الجنسين...

و ليس الحال بأفضل في أرحبة المواقف العامّة لسيّارت الأجرة، و حركات أفعال السّباق بين الشّوماخرات على الطّرقات، و تجاوز بعضهم البعض، بخطورة، للظّفر براكب ينتظر عند قارعة الطريق... و ليس أسقلال سيّارت الأجرة بالأنسب، بديلا عن السّيّارة الشّخصيّة، حيث سائق سيّارة الأجرة، يجبرك على الرّضوخ لمزاجيّاته، و شهواته في الدّردشة و لقلقات لسانه بما لا يفقه، وإرغامك على سماع ما يريد من مذياع راديو سيّارته، عدا عن ممارسته و بعض ركّاب سيّارته على ممارسة التّدخين، و نفث الدّخان بوجهك... 

و ما أن تصل إلى بيتك، بعد جهاد طويل على إمتدادات و إزدحامات الطّرق، تُفاجأ بأنّ أحدهم، صاحب الخلق العصريّ، قد أنتهز فرصة غيابك، و إغتصب المكان الذي تركن فيه سيّارتك، و ركن سيّارته عنوة، دون إذن أو إلتفات لملكيّة المكان، و ما عليك سوى عرقلة مرور سيّارات الآخرين، إنتظارا لمزاجيّته، إفساحا في المجال لركن سيّارتكَ، عدا عن تفوّهه ببعض الكلمات الهابطة على قدر مستواه... 

و تتراءى كلّ هذه الحركات اللا إنسانيّة و اللا أخلاقيّة و اللا قانونيّة، في بروز ذلك بمزاجيّة ممارسة كل ما يعارض بنود قانون السّير و المرور، و عند الكثير ممّن هم على شاكلة البشر... إنّما هم في الحقيقة من صنف الحمير البشريّة، النّاهقة بأنكر الأصوات، و التي تأنفها الحمير الحيوانيّة الحقيقيّة... و هنا تحضرني مقولة جدّتي لها الرّحمة: " الأتان لا يمكن أن تلد إنسان، إنّما بعض النّساء لا تلد إلاّ حمارا على شاكلة إنسان "...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق