الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015


ماري حدّاد

(1895 – 1973 )

بقلم: حسين أحمد سليم

أديبة كبيرة و فنّانة معروفة في زمانها، رئيسة نقابة الفنّانين سابقا، زاوجت بين قلمها و ريشتها بجرأة المرأة اللبنانيّة الواثقة من نفسها، فأبدعت كتابة و رسما و مواقف جريئة مشهودة لها، نالت شهرة واسعة في مجالاتها و مؤلّفاتها، و تقاسمت مدينتيّ باريس و بيروت تكريسها الأدبي و الفنّي...

ماري حدّاد من مواليد مدينة بيروت في العام 1895 للميلاد و هي شقيقة السّيّدة لور حدّاد زوجة بشارة الخوري رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الرّاحل، و الذي كان بينها و بينه سجالات كثيرة و تحدّيات معروفة، من جرّاء إحتضانها سليم موسى العشّي، المعروف بالدّكتور داهش، و الذي ترجمت بعض كتبه للإفرنسيّة، "عشتروت و أدونيس، مزكّرات دينار، معجزات الدّكتور داهش و وحدة الأديان"...

منذ العام 1932 للميلاد، إنتقلت و إستقبلت بحماس شديد في الأوساط الأدبيّة و الفنّيّة الباريسيّة بفرنسا، و عرفت شهرة واسعة في مدينة باريس منذ العام 1933 للميلاد...

حصلت الحكومة الفرنسيّة على لوحة شهيرة لها تّمثّل إمرأة ريفيّة لبنانيّة، و ضمّتها إلى مجموعة متحف ألــ "جو دو بوم". JEU DE PAUME”  " العريق، إضافة إلى لوحة "الجبلي اللبناني"... و من حينها عظمت شهرتها إلى أن ظهر إسمها في قاموس البنيزيت. BENEZIT ...

أشاد بها النّاقد العالمي لويس فوكسل LOUIS VAUXCELLES ...

شاركت و عرضت أعمالها في معارض الخريف في باريس حتّى العام 1937 للميلاد...

شاركت في المعرض العالمي في نيويورك عام 1939 للميلاد...

شاركت في المعرض الدّولي في كليفلاند – أوهايو – عام 1941 للميلاد...

و في متحف جامعة هارفارد في العام ذاته 1941 للميلاد...

شغلت ماري حدّاد بلوحاتها المميّزة و مشهديّاتها المُعبّرة عالم الغرب، فغدت في نظر روّاد حضارة الغرب رمزا لحضارة الشّرق... بحيث أنّ لوحاتها تتجلّى في رسومات صورها و لقطاتها و مشهديّاتها، جماليات المناطق اللبنانيّة المشرقة تحت سماء زرقاء و التي لها ترفل العين الباصرة، و في بعضها جسّدت نواح من معالم الجبال الجرداء، ذات المنحدرات الوعرة بشعابها الملتوية و الكثيرة الحصى، لتبرز في بعضها الآخر مسحات من سحر الغابات المليئة اللبنانيّة، على قلّتها، بأشجار الصّنوبر العالية و السّندروس و أشجار الأرز اللبناني المعمّر العظيم و الجليل، و التي جذبت إليها السّوّاح من حدب و صوب، و تغنّى بها شعراء في قصائدهم و دوّنها كتّاب في نثائرهم و نسج حكاياتها قاصّون في رواياتهم و صوّرتها ريش و ألوان الكثير من الفنّانين اللبنانيين و غيرهم في لوحاتهم و مشهديّاتهم...

الفنّانة التّشكيليّة ماري حدّاد تحملنا برهافة إحاسيسها الفنّيّة و ثقابة نظرتها إلى أرحبة الطّبيعة و مهارة ألوانها، لترود بنا على صهوات المتعة البصريّة عبر إمتدادات الحقول المزدانة بالعرعر و الأصف و الرّافلة بأشجار الرّمّان، ترتحل بنا على أجنحة الجمال اللبناني إلى بلدة عشقوت في جبل لبنان و بلدة ماكين، لتعود بنا تشاغفا إلى شوارع أسواق مدينة بيروت القديمة، ساعية بلمساتها الفنّيّة الحانية، في معظم لوحاتها، لتدخل إلى أعماقنا بحنكتها و تقنيّاتها الفنّيّة، طراوة و لطافة و دغدغات و إنتعاش أنسام لبنان...

المتتبّع لنتاجات الفنّانة التّشكيليّة ماري حدّاد، يتلمّس بشفافيّة نظراته و تحليل بصيرته، مدى التّاثّر النّفسي، الذي تتركه صور لوحاتها و هي تحمل في الكثير منها وجوها لبنانيّة من مختلف الطّبقات، إختارت منها نماذج من الجبليين ذوي الجباه العريضة و العيون العنيدة و النّظرات الشّرسة و التي فيها بريق قاتم، إضافة لوجوه الفلاّحين اللبنانيين ذوي البشرة الكامدة و على رأسهم الطّربوش، و كذلك رسمت بميزة فائقة الجمال، و جوه البدويات ذوات الجبهات الظّاهرة الموشومة بالأزرق و التي تلفّها العمّة النّسائيّة الرّيفيّة، هذا إضافة لرسمها لوجوه الحورانيات الشّبّات البشوشات ذوات الوجوه السّمراء المُدوّرة، اتي تتجلّى فيهنّ عظمة الإبداع... و في مجموعتها التّراثيّة التي يحتفظ بها ورثتها إيليّا و هادي حجّار، هناك عدد من اللوحات التي تتعلّق برسم الغلمان ذوي الصّدور البرونزيّة و العيون المخمليّة، الذين تضجّ الحياة بهم، من خلال نظراتهم التي ترسم أكثر من سؤال... ناهيك عن لوحات متنوّعة و مختلفة، رسمتها على مراحل و عبر حقبات، تعكس مدى ما تكتنز به الفنّانة الأديبة ماري حدّاد، من ثقافة واسعة و وعي باطنيّ و عرفان ذاتيّ و حضور قويّ، رغم مرور الأيّام على رحيلها...

أواسط السبعينات من القرن السّالف، حالفني الحظّ و تعرّفت لحفيدها إيليّا حجّار صاحب دار النّسر المحلّق و مجلّة بروق و رعود... و واكبني لزيارة بيتها "القصر الصّغير" في شارع سبيرز الذي كان متحفا يضمّ جميع لوحاتها التي تتماهى على جدران الغرف، و بعدها بقليل كان لي حظّ مضاعف بحيث إصطحبني قريب لي لحضور ذكرى سنويّة فقمنا بزيارة بيت حفيدها إيليّا حجّار، على بعد عشرات الأمتار عن القصر الصغير و في نفس الشّارع سبيرز، حيث أخذت وقتي لأمتّع بصري و بصيرتي بلوحاتها الكثيرة المُعلّقة على الجدران و الذي تمتليء بها صالة واسعة، بحيث رأيت بأمّ عيني موسقات الألوان فوق خامات اللوحات التي تتجسّد في كلّ منها شخصيّة الكاتبة الأديبة و الفنّانة ماري حدّاد...  

ماري حدّاد المولودة في رحاب مدينة مهد الحضارات بيروت، تحملنا من خلال مكوّنات لوحاتها إلى ريادة العالم المليء بالأسرار، لترود بنا مطاوي الحقائق الخافيات خلف بهارج الظّاهرات...

   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق