الجمعة، 4 مارس 2016


حسن جوني

ينفعل ذاتيّا فيرسم إبداعاته فلسفة و يُلوّنها بألوان الحياة

بقلم: حسين أحمد سليم

حسن جوني، الفنّان التّشكيلي الكبير، الحوميني، الجنوبي، الوطني، اللبناني، بعد ولادته اللبنانيّة بعاصمة الوطن، تحمله أقداره، لِيولد من جديد، فنّيّا و تشكيليّا من رحم الأكّاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة، ثمّ يحمل كينونته المُتوثّبة للفنّ التّشكيلي، ليقوم بتجويد و صقل دراساته التّشكيليّة و الفنّيّة في رحاب أكّاديميّة فوستر للفنون الجميلة فالنسيا بإسبانيا، و من ثمّ يُتوّج مُعلّمًا في الرّسم و التّصوير من الأكّاديميّة الملكيّة العليا للفنون الجميلة بمدينة مدريد، و يُجاز فيما بعد بالفنون الجميلة من كلّيّة الفنون الجميلة من جامعة مدريد، و ما كاد يُنهي مراحله الدّراسيّة، حتّى يأتي وطنه الذي يحمل هويّته و منه إنطلق، ليقوم بممارسة بتكليفه الفنّي، رئيسًا لقسم الرّسم و التّصوير في كلّيّة الفنون الجميلة...

بداية إطلالته الفنّيّة على مُتذوّقي الفنّ التّشكيلي، كانت في رحاب سنة 1971 للميلاد، حيث أقام معرضه الأوّل في دار الفنّ و الأدب في مدينة بيروت، تحت عنوان: "يوميّات الصّمتِ و الغربة"، مختارًا له الإتّجاه التّعبيري، كمنطلق فنّيّ تشكيليّ رحبٍ و واسع، للتّعامل بإطمئنان نفسيّ و ذاتيّ، مع ما يسكن في طوايا العقل و الوجدان، من رؤى و آمال مرتجاة و أحلام أخرى، يقوم على عقلنتها التّفكّر الموضوعي الفنّي، و يقوم الفؤاد على قلبنتها في حكايا و روايات و أساطير و منمنمات... مندفعًا في مساره الذي إختار طواعيّة، يتشاغف باللهفة الإنسانيّة الوطنيّة لجنوبه، الرّابض عند حدوده الجنوبيّة العدوّ الغاصب لفلسطين، يحمل في خفقات قلبه و ومضات وجدانه، ذلك القلق الذي ينتابه على الأرض التي إحتضنته، يحمل لها كلّ الحبّ و العشق و الحنين، ما يعكس لتجلّياته الفنّيّة التّشكيليّة، ترسيم مساره في طريق الإستقراء التّشكيليّ في محاكاة الإستشفاف الطّيفيّ، لإبداعاته اللونيّة المُتفتّقة خلقًا آخر من أبجديّته التّجريبيّة، في أسلوبِ يجمل فرادة حسن جوني الفنّان التّشكيليّ... 

و توالت معارض الفنّان التّشكيلي حسن جوني، و التي تجاوزت الثّلاثين معرضًا فرديّا، و أكثر من أربعين معرضًا جماعيّا، بمشاركات خارج لبنان الوطن، توزّعت ما بين فرديّة و مساهمة... كتب فيها الفنّان جوني، حكاية الأرض و الوطن و المعاناة في المكان و الزّمان، الذي يحمل الطّهارة في نبل التّشاغف، و ينضح بالقداسة في حكاية الإشتهاء، و قمّشها بعرق جسده، ممتطيًا العصيان في جرأة البوح و الموقف، عازفًا ألوانه على رؤوس شعيرات ريشته، تتعافق بإيقاعات خطوطه و أشكاله، و هو يُنمنمها بملوانته التّزينيّة التي تتموسق بألوان الفرح، و في طوايا عناصرها التّرميزيّة، تُخفي تعبيرات الألم و الوجع، تتماهى في مشهديّات إبداعيّة، تحمل إشكاليّة ما، ترتسم في سبر إستقراءات تقاسيم الوجه الجوني الفنّي، بفراسة فنّيّة تشكيليّة فلسفيّة...

رسومات و لوحات الفنّان التّشكيلي حسن جوني، أدّت إلى إبراز الوجه الفنّي الإبداعي له، و الذي هو في البعد الفنّي الآخر، وجه الجنوب اللبناني، و وجه الوطن ككلّ، أدّت تلك الإبداعات إلى دخول و تماهي لوحاته و مشهديّاته في بعض المتاحف العربيّة و العالميّة، و حملته على صهوات جماليّاتها و تقنيّاتها، للولوج بإسمه و إدراجه في القاموس العالمي للفنّانين: "بينزيت"...

ماهية الفنّ التّشكيلي في رؤى الفنّان حسن جوني، هي حركة تجارب فعليّة، تحمل حسّ هذا الفنّان التّشكيلي، بتكامليّة مؤنسنة مع الزّمان و المكان، و لا يُمكن ممارسة لعبة التّجزيء عن الواقع الحياتي الملموس... لأنّها في حركيّتها الحياتيّة، تحمل في مضامينها الذّاتيّة، حركة تحريضيّة للذّات العرفانيّة، و أخرى إحتجاجيّة للوعي الباطني، تحفيزًا لتحقيق معنى العيش فوق التّراب الأرضي، حيث يُتابع مسارات حياته، و هو راضخٌ لمرصوديّة حتميّته القدريّة، مُتسلّحًا بفلسفة فنّيّة تشكيليّة، كيّ يُواجه بصلابة قوّته التّفكّريّة، عدميّة الفناء و عبثيّة الوجود، مع مصداقيّة ما يقتنع به في دواخل تفكّره و إطمئنانه، أنّه يحيا مُسيّرًا من حيث قد لا يدري، بين مرحلة ما قبل الولادة القدريّة، و ما بعد الرّحيل بفناء الجسد المادّيّ...

حسن جوني، فنّان تشكيلي، مُحبٌ للتّاريخ و الفلسفة، تتّسم شخصيّته، بحسّ فائق و دافق و دقيق في لعبته الفنّيّة و التّشكيليّة، بحيث يُجيد فنون التّمازجات مع التّناغمات، من خلال إدراكه لمعنى الحياة، و التي هي في قناعاته، فرصة له، كيّ يُمارس كلّ قدراته في إستنفار أقصى طاقاته، من خلال تركيزه على فنون الرّسم و تجويدها دون سواها، تحقيقًا لمستوى ثقافي فنّي حضاري... بحيث تتجلّى رسوماته، بالأناقة اللطيفة في مسارات خطوطه فوق خامة اللوحة، لتعكس ذوقًا فنّيّا رفيعًا، و تُجسّد حركة فعل الإنسجام في هارمونيّة التّنغيم المموسق التّرانيم، برهافة و شفافيّة و بلورة جماليّة، للقِيم الفنّيّة التّشكيليّة في منظومة اللوحة أو المشهديّة، بمختلف ما يتراءى من وجوهها...   

يمتطي الفنّان التّشكيلي حسن جوني في مساراته صهوات الفلسفة، مترجمًا لها بحنين من نتاجات القلق، الذي إجتهد في رسم إفتراضيّاته في وعيه الباطنيّ، و في ثنايا عرفانه الذّاتيّ، مُفضّلاً الإستنتاج الإستقرائيّ، لحالات المعاناة الإنسانيّة في حركة الزّمان و المكان، ليُشكّل منها أقانيم مساره الفنّي، و التي يعمل فنّيّا و تشكيليّا لإسقاط تعبيراتها و رموزها على لوحاته، عبر بناء فنّيّ متكامل، للأشكال من خلال إبرازها بخطوط في لطافة الإنحناءات أفقيّا و رأسيّا...

يسبر حسن جوني غور ذاكرته، مستجليًا منها بعض ما يستطيع إنقاذه و إسترجاعه من حركة النّسيان الزّمنيّة، ليعكف على تطبيق تشكيلاته الإنسانيّة، عاكسًا مدى تفاعله و إهتماماته مع الإنسان في خضمّ همومه و في نجيع عذاباته. مسقطًا إجتهاداته الفنّيّة على أكثر من أسلوب جماليّ، بحيث يشعّ من تآليفه الفنّيّة، ما ترفل له البصائر قبل الأبصار...

نتاجات الفنّان التّشكيلي حسن جوني، هي حركة تشابك بنات أفكاره مع حركة فعل تقنيّاته لإبداع أعماله، التي توّجته كأحد القلائل من كبار الفنّانين اللبنانيين و العرب، الذي يعيش فعاليّة حسّه الإنساني مندمجًا بحسّه الوجداني و مختلطًا بتفكّره العقلاني، توكيدًا لحالة من النّقد الذّاتيّ البنّاء، فإذا بلوحته تولد من بين أنامله المُفترّة بالفنّ التّشكيلي و جودة صياغة التّشكيل و الألوان، تحمل في مُكوّنات عناصرها أبعاد فلسفة خاصّة، يتجلّى من كوى عناصرها الوجه الفلسفي للفنّان التّشكيلي حسن جوني...

يُبحر الفنّان التّشكيلي حسن جونه على متن شراعه الفنّي، مُتهايمًا بما يُحيط به من بصريّات و مرئيّات و مشاهدات، تتفاعل مع رؤى إنسانيّته، يتلقّفها في ومضات من حركة بصيرته عبر بصره، و يُدخلها في فضاءات خيالاته الإفتراضيّة، يُعيد لها صيرورتها الأولى، مُفكّكًا عناصرها، و يقوم بإعادة تدوير شكيلاتها لمرّات عديدة، قبل أن يسكبها في مشهديّة جديدة، ينطلق بها من إيحاءات خيالاته، التي تُحرّض وجدانه على إبتكار و خلق الفكرة الفنّيّة في ولادتها النّواتيّة الأولى، مُرتكزًا في رحلته الفنّيّة على مدى عمق ثقافته، مشفوعة بمدى فعاليّة تجربته التّشكيليّة، ليعود من إبحاره الفنّيّ فوق أمواج بحاره التّشكيليّة، راسيًا بشراعه عند مرفأ القنديل الأزرق، ممتشقًا ريشته مُمسّدًا لها بدفء حنيني بصمات أنامله، المفترّة للخلق و الإبداع، مُحوّلاً المُبهم إلى المعروف، و غير المرئي إلى المرئيّ، بجودة فنّيّة تشكيليّة فائقة الدّقّة، و بعناية تنظيميّة تعتمد الوعي و الإدراك، عبر مخاض له حيثيّاته و توصيفاته الفنّيّة، لتجسيد حالة ما من الأنسنة، المُتأرجحة بين غمار كوابيس القلق، و كواليس المخفيات من إفتراضيّات التّمنّيات...

لعبة الرّسم و التّشكيل التي يمتهنها الفنّان التّشكيلي حسن جوني، تحمل الرّسم إلى البعد الآخر، الذي يُلقي به في رحاب الإجتهادات الفلسفيّة، المستنبطة منطقيّا من رحم ميتولوجيا الذّاكرة الإنسانيّة... بحيث يتحوّل المشهد في اللوحة الجونيّة، فعل رؤيا حنينيّة، يتجلّى لها في البعد الممتدّ، ذلك الشّغف الباطني، الذي يتمّ تحويله إلى بعد إبداعيّ، تنطوي عناصره النّعبيريّة على جدليّة، مُضرّجة بالغموض التّرميزي، لِتُشكّل تلك العلاقة السّرّيّة بين الأنسان و الأرض التي أتى به الخالق من صلصالها الحمئيّ...

ترتسم اللوحة المشهديّة الجونيّة، مؤنسنة بالتّجربة المديدة للفنّان جوني، ساكبًا في ثنايا عناصرها الكثير من الذّكاء و العبقريّات التّعبيريّة، حاملة في مضامينها تلك الجدليّات المثيرة للتّساؤلات، التي تجعل من حركة التّرابط معادلة رمزيّة إصطلاحيّة، تتموسق على إيقاعاتها التّرنيميّة الأحلام المرتجاة...

ثلاثيّة الفنّان التّشكيلي حسن جوني، تُبرز أقانيمه التي يرتكز عليها في توليد لوحته، بحيث يعطي لحركة الرّسم دورها الرّيادي في عمليّة فعل الألوان، تكاملاً مع التّفكّر في إنشائيّات التّأليف، إبرازًا لقدراته في حركة مساراته، و توكيدًا بنظرة تفكّريّة للبعد، محاكاة إفتراضيّة، تعتمد على الكفاءة التّفاعليّة، لجعل اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة، تستمرّ في مرحليّتها الزّمانيّة و المكانيّة، و كأنّها رُسمت للتّوّ... و هذا ما يجعل من الفنّان جوني من أبرز الفنّانين اللبنانيين و العرب، و الذي إرتبطت أمالهم الفنّيّة التّشكيليّة بحياة و معاناة الإنسان، و إلتصاقه بالأرض التي منها أتى و إليها يعود مهما طال به العمر...

حسن جوني، فنّان تشكيلي لبناني مُخضرم، يمتلك الكثير من العناصر التّشكيليّة و الفنّيّة، نتاج تجاربه المديدة في المجال الفنّي، بحيث تفرض نفسها مُشكّلةً خصوصيّةً، تزيد في الجوني ميزة كبرى، تجعل منه أمينًا و مؤتمنًا على الأماكن، التي تُشكّل لديه شغفًا حنينيّا لتلك الأمكنة  و أزمنتها، التي لها وقعها في ذاتيّة الفنّان جوني، و التي تحتضنها ذاكرته رغم كلّ التّقلّبات... ناقلاً أفكاره التي تتراءى له في عالمها الوجدانيّ، تشكيلاً فنّيّا، تتحدّث فيها الأشكال عن رحلتها مع الفنّان الجوني، و تتماهى فيه الألوان مُتحدّثة في روائيّاتها، عن تحكّمها في الضّوء و الظّلّ و الإشراقات اللمعاميّة، و هي تروي حركة الحرارة و الدّفء و حالة البرودة و التّكامل و التّتابع و التّعارض و التّناقض، إنّها اللغة الفنّيّة، التي إمتطى صهوتها الفنّان التّشكيلي حسن جوني، مُترجمًا من خلالها عقلنة قلبه الخفّاق بالحنين الفنّي، و قلبنة عقله الومّاض بالأفكار  التّشكيليّة، إلى حركة خفقات و عفقات و لونيّات و مشهديّات، ترفل لها الأبصار لتقرأها البصائر، و تتفكّر فيها العقول...

عمر مديد دمّجه الفنّان الجوني بتجارب تشكيليّة كثيفة، مجّد فيها الوجع الإنساني، و عالج فيها المعاناة الحياتيّة، رافعًا إبداعاته الفنّيّة في تجلّيات إلى أبواب السّماء، توكيدًا لمصداقيّته و إعترافاته، بما رسم و أبدع لما رأىببصره، و ما رأى ببصيرته... فكان صادقًا مع ذاته و صادقًا مع مجتمعه و بيئته و إنسانه...

الأربعاء، 2 مارس 2016


ديما زكريّا رعد

جريئة التّعبير التّجريدي إنعكاس الرّفض الثّوري لواقع يحدّ من حرّيّة المرأة

بقلم: حسين أحمد سليم

ديما زكريّا رعد... الآتية على أجنحة البرّاق الثّوريّ، ترود عالم العصرنة في أرحبة الواقع، منفلتة من قيودها الموروثة، مندفعة بقوّة و ثقة، إلى ساح الخلق و الإبداع، تخوض غمار الفنّ التّشكيليّ، تقتحم من كوّة الطّموح و الآمال البعيدة المرتجاة، لتحقيق الذّات البشريّة، الأمّارة بكلّ الأشياء، لتوكيد حضورها الإنساني...

قادمة ديما زكريّا رعد، من تلك المدينة التّاريخيّة العظمى، و التي كانت سيّدة المدن و سيّدة البقاع، قادمة، تمتطي صهوة الفنّ التّشكيلي، الذي يُشكّل و جه لبنان الثّقافي و الفنّي و الحضاري، ممتشقة ريشتها الحانية كما حنانها الأنثويّ، تُمسّد رؤوس شعيراتها بأطراف بصمات أناملها المُفترّة بالدّفء الحميميّ، تُهيّئها لتغميسها في الألوان المتعافقة ببعضها، مُشكّلة فيما بينها لوحة تعبيريّة تجريديّة، بحيث تتموسق في ترانيمها اللونيّة، تتمتهى فتنة و عنفوانًا بين أناملها العازفة على شعيرات ريشتها...

وُلِدت ديما زكريّا رعد من رحم العنفوان البقاعي البعلبكيّ، الذي يتمثّل بكلّ مكارم الأخلاق، إلى جانب ذلك الكبرياء النّفسي رفهة و سموّا، يتجلّى ثقة و قدرة و جرأة عند أهل مدينة الشّمس بعلبك، يطبع شخصيّتهم بفرادة وطنيّة و إجتماعيّة و إنسانيّة،  قلّ نظيرها في نسائج منظومة التّشكيلة اللبنانيّة...

ديما زكريّا رعد، القادمة من ذلك الجرد البقاعي البعلبكي، تحمل في طوايا شخصيّتها النّسائيّة الأنثويّة، موروثات الأصالة التّراثيّة الرّيفيّة، إلى جانب العنفوان و الكبرياء الإنسانيّ، توصيفات مناقبيّة مميّزة و لها فراتها بين مثيلاتها و بنات جنسها و زمانها، عجنت و شكّلت قوامها قلبًا و قالبًا و باطنًا و ظاهرًا...

نشأت ديما زكريّا رعد في كنف أسرة بقاعيّة بعلبكيّة عريقة، لها دورها الوطني و الإجتماعي و الإنساني الرّيادي في لبنان إنطلاقًا من بعلبك... تلك الأسرة، إختطّت لها مسارًا قويمًا، تمثّل في الموقف الجريء، البارز في حركة فعل الدّفاع عن حقوق النّاس، بأسلوب ثوريّ رافض و ثابت، لكلّ المظالم من أين أتت بحق الإنسانيّة و الأنسنة... ذلك هو زكريّا رعد المحامي المعروف في زمانه،  الذي لمع نجمه في زمن قاهر، قلّ فيه المدافعون عن الحقّ و الحقائق، هو والد ديما رعد، هذه المرأة المغايرة عن بنات جنسها بما تكتنز به من وعي و عرفان و جرأة، و التي ورثت عن أبيها، حركة ثورته القانونيّة، و فعل جرأته الثّابتة، الفاعلة بقوّة في تمزيق السّتائر الإفتراضيّة، لتنكشف الحقيقة عن واقع سائد على ذِمّة الأعراف و التّقاليد، و غارق في متاهات الجهل، كُتب عليه أن يندثر و أن يستنير بضوء الوعي و العقل و الفكر و العرفان...

تلك الثّورة العرفانيّة الذّاتيّة و الباطنيّة الوعي، راحت تتفاعل في كوامن و أفكار و نفسيّة ديما زكريّا رعد، و راحت تتنامى في نسائج نفسيّتها الأنثويّة، لتنبثق من ثلاثيّة حنين رحمها، حركة فعل ثورة الرّفض، لواقع المرأة الأنثى المرير، المرأة التي تعاني منه الكثير، و تلوك علقم قساوة التّقاليد و الأعراف، حيث تعيش قدرها في مجتمع التّقاليد القاسية، و الأعراف الموروثة السّائدة، و التي تُكبّل المرأة في عيشها، و تسلسلها بالقيود الموروثة، تحت رحمة ذِمّة شرف القبيلة الرّفيع، و تحيطها بسيل من الممنوعات و المحظورات، ممّا يُعيق رسالتها المقدّسة في الحياة، و التي شاء الله لها، أن تحملها بوعي و عرفان، و تُطبّقها جدارة و تكليف و مسؤوليّة...

الفنّانة التّشكيليّة اللبنانيّة ديما زكريّا رعد، التي تحمل همومها النّسائيّة الأنثويّة، و منذ إنطلاقتها في أرحبة و فضاءات عالم الفنّ التّشكيلي اللبناني و الدّولي، جسّدت معانتها كإمرأة أنثى، أتت من رحم حوّاء أمّها، و بنات جنسها، بجرأة و قوّة و حضور فنّيّ ثوريّ لافت، و بأسلوب تعبيريّ تجريديّ... حيث راحت تُعالج جرأة بوحها الأنثويّة، بكثافة من الخطوط و الأشكال و الألوان، تُنمنم نسج أوشاجها فوق خامات قماشيّة، تعكس علاقتها النّسائيّة بنفسها، من خلال رؤاها الأخرى لمحيطها الذي يُشكّل دائرة السّجن، قارعة باب الجرأة الأنثويّة، لتمارس ثقة المرأة بنفسها، قوّة بوحها و صلابة موقفها، واقفة أمام نصفها الآخر، الرّجل، منادية أمامه و صارخة بوجهه، مُركّزةً بشكلٍ أساسيّ على أحقّيّة و جوديّتها و تكليفها و مسؤوليّتها التي لا تقلّ عن تكليف و مسؤوليّة الرّجل في الحياة...

محاكاة للرّؤى التي تتراءى للفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، راحت الفنّانة ديما، تُجسّد ما يتفاعل في نفسيّتها، و بعدما عقلنت قلبها بالتّفكّر و التّعقّل و الحكمة، و بعدما قلبنت عقلها بالمودّة و الرّحمة، و القداسة و الطّهارة في الحنين و التّشاغف، سبرت وعيها الباطنيّ، باحثة في غوره عن الكنوز المدفونة، و حملت تفكّرها عنوةً لترود عرفانها الذّاتي، مُنقّبة في خفاياه عن مخزونه المجوهر، كي تُوظّف محصّلاتها البحثيّة في التّأليف الفنّي، و التّشكيل المشهدي، لتأتي لوحتها بجودتها و تشكيلها، ترتكز على و جهها الدّيميّ و تعبيراته، تجسيدًا لنهج فنّيّ آخر، يتّسم بالجرأة في لعبة التّشكيل، بحثًا عن جنين فنّيّ جديد، يحمل كلّ الجرأة في ثورة الرّفض، على محظور ما يحمل من علامات إستفهام في خفاياه، و ما ينطوي عليه من عثرات و معوقات و قساوات...

أعمال الفنّانة رعد في غالبيّتها، تُعالج موضوعًا واحدًا، و يحمل التّشابه الظّاهري في تشكيل مُوحّد، يتعلّق بالوجه النّسائي الأنثويّ... نفّذت بعضه بمادّة الإكريليك و بعضه بمادّة الزّيت، فيما البعض الآخر كان من موادّ أخرى، بحيث أتت أعمالها و نتاجاتها و تشكيلاتها الفنّيّة، ترسم الوجه الأنثويّ النّسائيّ الآخر، الذي يعكس الإضطّرابات المتخفيّة في الأنفس المرهقة، و هو ما يتجسّد من خلال الخطوط المتقاطعة بإتّجاهات مختلفة، و التي تعكس ثورة الرّفض، و حركة فعل التّمرّد، البارزة في ضربات و شخبطات الألوان بريشتها السّريعة، و التي تدفع المتلقّي للوقوف طويلاً أمام مشهديّاتها التّعبيريّة التّجريديّة، راسمًا في ذهنيّته الكثير من التّساؤلات و علامات الإستفهام الباحثة عمّا يُطمئنها من أجوبة يتوقّعها إفتراضيّا، تنبثق من بين الخطوط و الأشكال و الألوان...

كيفما إلتفت المتلقّي بأعمال الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، يتراءى له ذلك المضمون، المعجون خلف ستائر الكواليس و الكوابيس، و الذي يخفي الكثير من الهواجس النّفسيّة، تلك التي تُطلّ بحقيقتها من خلال الرّموز التّعبيريّة و المصطلحات التّجريديّة، التي يتألّف منها ذلك الحدث القلق في منظومة التّكوين الفنّي التّشكيلي في لوحتها، التي تجتذب إليها المتذوّق بشفافيّة رؤيته البصيريّة قبل رؤاه البصريّة، للبحث عن الحقائق الخفيّة وراء التّرميزات التّعبيريّة التّجريديّة...

هذا، و تحاول الفنّانة ديما زكريّا رعد، في نتاجاتها الفنّيّة التّشكيليّة، أن تُعبّر بمصداقيّة عن وقائع الحياة في المجتمع الذي تعيش حيثيّاته، و تعيش طقوسه و شعائره... و هو ما ركّزت عليه من خلال لوحاتها الفنّيّة الإبداعيّة، التي تمزج في عناصر مكوّناتها بين الواقع و الخيال، ممّا يجعل الفنّانة رعد في حالات من التّجدّد الدّائم، كي تُعطي لنفسها فسحة واسعة تستوحي من خلالعا حركة فعل إبداعاتها من إيحاءات الحالات التي تعيشها...

و لقد إحتلّت المرأة الأنثى مساحة و اسعة في أعمال الفنّانة، بحيث عبّرت في لوحاتها الفنّيّة التّشكيليّة، عن مجمل مشاكلها و عذاباتها و معاناتها، و عن علاقاتها مع الآخر من خلال لوحات داعية بها إلى فكّ القيود عنها... و هو ما تجسّد في لوحات معارضها، التي أظهرت إبداعاتها الفنّيّة، في محاولات التّعبير فيها و التّرميز الإنطباعي عن واقع المرأة الأنثى في مسارها النّسوي بالمجتمع الذّكوري... ديما زكريّا رعد، الفنّانة العاشقة للتّراث حتّى الثّمالة، و النّابضة بالحبّ الإنساني في كينونتها، تميّزت لوحاتها بالتركيز على الوجوه النثويّة بأشكالها التّعبيريّة الإنطباعيّة، بحيث شكّلتها بألوان صارخة و ثائرة، داعية إلى الإنعتاق من القيود التي تُكبّلها و تُعيق من حرّيّتها...

الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، هدفت من خلال رسم الوجوه النّسويّة الأنثويّة، إلى الوصول بنا إلى النّقطة التي تتمحور حول البواطن المضمونيّة، المختلفة عن الوقائع السّائدة في المجتمعات، و هو ما عكفت على حركة فعل إبداعه الفنّانة من خلال القاسم الفنّي التّشكيلي المشترك، و وحدة الموضوع في محموعتها الفنّيّة الإنتاجيّة عبر مراحل معيّنة قطعتها... بحيث أنّ موضوع الوجه الذي لاقى القبول عند الفنّانة رعد، دفعها لخوض غمار التّشكيل الفنّي، بصياغة مميّزة تحمل أحاديّة العناصر، طاشفة عن الأبعاد التّعبيريّة الأخرى، الكامنة في البعد الفنّي التّشكيلي، لصياغة تعبيريّة تجريديّة قويّة و متينة في تكوين المشهديّات التي جسّدتها الفنّانة في صور الوجوه، من تقاطعات الخطوط الأفقيّة و الرّأسيّة، بحركة رشيقة لإختصارات التّكوين الإبداعي، الذي تتجلّى بعظمة صنعه و تكوينه عظمة الخالق...

الأعمال الفنّيّة التّشكيليّة التي أبدت في إنتاجها الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، ترسم شخصيّتعا بإمتياز، و معارضها الفرديّة التي أقامتها و الجماعيّة التي شاركت بها، رسمت بوضوع تامّ مسيرتها الفنّيّة، و الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، إختارت مسارها الفنّي التّشكيلي، من خلال إعتمادها على أساليب المدرسة التّعبيريّة الموغلة في الحركة التّجريديّة، و التي تحمل في مضامين أبعادها الكثير من المضامين الباطنيّة في عناصرها التّرميزيّة...

إلى هذا، فإنّ الفنّانة التّشكيليّة ديما زكريّا رعد، تحمل نضجًا ملموسًا في مسيرتها الفنّيّة التّشكيليّة، نتيجة إطّلاعها على التّجارب و التّيّارات الفنّيّة المختلفة في العالم، ممّا أكسبها طابع الحياة الصّاخب، و السّير في رحاب الحياة بحركة فاعلة متطوّرة مواكبة لتسارع العولمة، و متنامية بدوام الإستمراريّة في حركة فعل التّجارب الفنّيّة و التّشكيليّة... و الفنّانة رعد في قناعاتها الفنّيّة و الثّقافيّة، تحمل في نسائج كينونتها، رسالة إنسانيّة فكريّة حضاريّة، و هي فنّانة مُتفكّرة و إجتماعيّة بإمتياز، تُدرك بوعيها و عرفانها و إيمانها و قناعاتها رؤى الحياة، و ما للمرأة من حضور مميّز، يتجلّى في رموزيّة جمالها و تكوينها الذي أبدع الله في صنعه، لتغدو رمزًا أحاديّا للحبّ و العشق و العطاء... و هو ما حملها فنّيّا للتّعبير عن واقعها الذي تعيشه، داعية لمساوتها مع الرّجل و تحريرها من القيود التي كبّلتها و تُكبّلها على مدى عقود و سنوات سالفة و ما زالت سارية في بيئة مجتمعات ترزح تحت نير الجهل و ثقافة الجهل...

ديما زكريّا رعد، فنانة تشكيليّة، تحمل ثورة رافضة تتجلّى في لوحاتها، و تتّسم بتمرّد صارخ في ألوانها، تنبثق بما يتفاعل في حناياها و وجدانها من الحياة الصّاخبة، و من تأثيرات سلبيّة أو إيجابيّة على نفسها و أعصابها و علاقاتها مع الآخرين... و هي: رئيسة جمعيّة الفنّانين اللبنانيين للرّسم و النّحت،أستاذة في معهد الفنون بالجامعة اللبنانيّة، شغلت  رئيسة قسم المعارض في وزارة الثّقافة اللبنانيّة، و عضو في لجنة التّحكيم الدّوليّة، و كانت رائدة ناجحة في العديد من اللقاءات و البينالات الفنّيّة العالميّة، لها شهرتها في معارض فرديّة عديدة أقامتها، و أخرى جماعيّة شاركت فيها، و لها حضورها الإبداعي المميّز و الفريد...