حسن جوني
ينفعل ذاتيّا
فيرسم إبداعاته فلسفة و يُلوّنها بألوان الحياة
بقلم: حسين أحمد
سليم
حسن جوني،
الفنّان التّشكيلي الكبير، الحوميني، الجنوبي، الوطني، اللبناني، بعد ولادته
اللبنانيّة بعاصمة الوطن، تحمله أقداره، لِيولد من جديد، فنّيّا و تشكيليّا من رحم
الأكّاديميّة اللبنانيّة للفنون الجميلة، ثمّ يحمل كينونته المُتوثّبة للفنّ
التّشكيلي، ليقوم بتجويد و صقل دراساته التّشكيليّة و الفنّيّة في رحاب أكّاديميّة
فوستر للفنون الجميلة فالنسيا بإسبانيا، و من ثمّ يُتوّج مُعلّمًا في الرّسم و التّصوير
من الأكّاديميّة الملكيّة العليا للفنون الجميلة بمدينة مدريد، و يُجاز فيما بعد
بالفنون الجميلة من كلّيّة الفنون الجميلة من جامعة مدريد، و ما كاد يُنهي مراحله
الدّراسيّة، حتّى يأتي وطنه الذي يحمل هويّته و منه إنطلق، ليقوم بممارسة بتكليفه
الفنّي، رئيسًا لقسم الرّسم و التّصوير في كلّيّة الفنون الجميلة...
بداية إطلالته
الفنّيّة على مُتذوّقي الفنّ التّشكيلي، كانت في رحاب سنة 1971 للميلاد، حيث أقام
معرضه الأوّل في دار الفنّ و الأدب في مدينة بيروت، تحت عنوان: "يوميّات
الصّمتِ و الغربة"، مختارًا له الإتّجاه التّعبيري، كمنطلق فنّيّ تشكيليّ
رحبٍ و واسع، للتّعامل بإطمئنان نفسيّ و ذاتيّ، مع ما يسكن في طوايا العقل و
الوجدان، من رؤى و آمال مرتجاة و أحلام أخرى، يقوم على عقلنتها التّفكّر الموضوعي
الفنّي، و يقوم الفؤاد على قلبنتها في حكايا و روايات و أساطير و منمنمات...
مندفعًا في مساره الذي إختار طواعيّة، يتشاغف باللهفة الإنسانيّة الوطنيّة لجنوبه،
الرّابض عند حدوده الجنوبيّة العدوّ الغاصب لفلسطين، يحمل في خفقات قلبه و ومضات
وجدانه، ذلك القلق الذي ينتابه على الأرض التي إحتضنته، يحمل لها كلّ الحبّ و
العشق و الحنين، ما يعكس لتجلّياته الفنّيّة التّشكيليّة، ترسيم مساره في طريق
الإستقراء التّشكيليّ في محاكاة الإستشفاف الطّيفيّ، لإبداعاته اللونيّة
المُتفتّقة خلقًا آخر من أبجديّته التّجريبيّة، في أسلوبِ يجمل فرادة حسن جوني
الفنّان التّشكيليّ...
و توالت معارض
الفنّان التّشكيلي حسن جوني، و التي تجاوزت الثّلاثين معرضًا فرديّا، و أكثر من
أربعين معرضًا جماعيّا، بمشاركات خارج لبنان الوطن، توزّعت ما بين فرديّة و مساهمة...
كتب فيها الفنّان جوني، حكاية الأرض و الوطن و المعاناة في المكان و الزّمان، الذي
يحمل الطّهارة في نبل التّشاغف، و ينضح بالقداسة في حكاية الإشتهاء، و قمّشها بعرق
جسده، ممتطيًا العصيان في جرأة البوح و الموقف، عازفًا ألوانه على رؤوس شعيرات
ريشته، تتعافق بإيقاعات خطوطه و أشكاله، و هو يُنمنمها بملوانته التّزينيّة التي
تتموسق بألوان الفرح، و في طوايا عناصرها التّرميزيّة، تُخفي تعبيرات الألم و
الوجع، تتماهى في مشهديّات إبداعيّة، تحمل إشكاليّة ما، ترتسم في سبر إستقراءات
تقاسيم الوجه الجوني الفنّي، بفراسة فنّيّة تشكيليّة فلسفيّة...
رسومات و لوحات
الفنّان التّشكيلي حسن جوني، أدّت إلى إبراز الوجه الفنّي الإبداعي له، و الذي هو في
البعد الفنّي الآخر، وجه الجنوب اللبناني، و وجه الوطن ككلّ، أدّت تلك الإبداعات إلى
دخول و تماهي لوحاته و مشهديّاته في بعض المتاحف العربيّة و العالميّة، و حملته
على صهوات جماليّاتها و تقنيّاتها، للولوج بإسمه و إدراجه في القاموس العالمي
للفنّانين: "بينزيت"...
ماهية الفنّ
التّشكيلي في رؤى الفنّان حسن جوني، هي حركة تجارب فعليّة، تحمل حسّ هذا الفنّان
التّشكيلي، بتكامليّة مؤنسنة مع الزّمان و المكان، و لا يُمكن ممارسة لعبة
التّجزيء عن الواقع الحياتي الملموس... لأنّها في حركيّتها الحياتيّة، تحمل في
مضامينها الذّاتيّة، حركة تحريضيّة للذّات العرفانيّة، و أخرى إحتجاجيّة للوعي
الباطني، تحفيزًا لتحقيق معنى العيش فوق التّراب الأرضي، حيث يُتابع مسارات حياته،
و هو راضخٌ لمرصوديّة حتميّته القدريّة، مُتسلّحًا بفلسفة فنّيّة تشكيليّة، كيّ
يُواجه بصلابة قوّته التّفكّريّة، عدميّة الفناء و عبثيّة الوجود، مع مصداقيّة ما
يقتنع به في دواخل تفكّره و إطمئنانه، أنّه يحيا مُسيّرًا من حيث قد لا يدري، بين
مرحلة ما قبل الولادة القدريّة، و ما بعد الرّحيل بفناء الجسد المادّيّ...
حسن جوني، فنّان
تشكيلي، مُحبٌ للتّاريخ و الفلسفة، تتّسم شخصيّته، بحسّ فائق و دافق و دقيق في
لعبته الفنّيّة و التّشكيليّة، بحيث يُجيد فنون التّمازجات مع التّناغمات، من خلال
إدراكه لمعنى الحياة، و التي هي في قناعاته، فرصة له، كيّ يُمارس كلّ قدراته في
إستنفار أقصى طاقاته، من خلال تركيزه على فنون الرّسم و تجويدها دون سواها،
تحقيقًا لمستوى ثقافي فنّي حضاري... بحيث تتجلّى رسوماته، بالأناقة اللطيفة في
مسارات خطوطه فوق خامة اللوحة، لتعكس ذوقًا فنّيّا رفيعًا، و تُجسّد حركة فعل الإنسجام
في هارمونيّة التّنغيم المموسق التّرانيم، برهافة و شفافيّة و بلورة جماليّة،
للقِيم الفنّيّة التّشكيليّة في منظومة اللوحة أو المشهديّة، بمختلف ما يتراءى من
وجوهها...
يمتطي الفنّان
التّشكيلي حسن جوني في مساراته صهوات الفلسفة، مترجمًا لها بحنين من نتاجات القلق،
الذي إجتهد في رسم إفتراضيّاته في وعيه الباطنيّ، و في ثنايا عرفانه الذّاتيّ،
مُفضّلاً الإستنتاج الإستقرائيّ، لحالات المعاناة الإنسانيّة في حركة الزّمان و
المكان، ليُشكّل منها أقانيم مساره الفنّي، و التي يعمل فنّيّا و تشكيليّا لإسقاط
تعبيراتها و رموزها على لوحاته، عبر بناء فنّيّ متكامل، للأشكال من خلال إبرازها
بخطوط في لطافة الإنحناءات أفقيّا و رأسيّا...
يسبر حسن جوني
غور ذاكرته، مستجليًا منها بعض ما يستطيع إنقاذه و إسترجاعه من حركة النّسيان
الزّمنيّة، ليعكف على تطبيق تشكيلاته الإنسانيّة، عاكسًا مدى تفاعله و إهتماماته
مع الإنسان في خضمّ همومه و في نجيع عذاباته. مسقطًا إجتهاداته الفنّيّة على أكثر
من أسلوب جماليّ، بحيث يشعّ من تآليفه الفنّيّة، ما ترفل له البصائر قبل
الأبصار...
نتاجات الفنّان
التّشكيلي حسن جوني، هي حركة تشابك بنات أفكاره مع حركة فعل تقنيّاته لإبداع
أعماله، التي توّجته كأحد القلائل من كبار الفنّانين اللبنانيين و العرب، الذي يعيش
فعاليّة حسّه الإنساني مندمجًا بحسّه الوجداني و مختلطًا بتفكّره العقلاني،
توكيدًا لحالة من النّقد الذّاتيّ البنّاء، فإذا بلوحته تولد من بين أنامله
المُفترّة بالفنّ التّشكيلي و جودة صياغة التّشكيل و الألوان، تحمل في مُكوّنات
عناصرها أبعاد فلسفة خاصّة، يتجلّى من كوى عناصرها الوجه الفلسفي للفنّان
التّشكيلي حسن جوني...
يُبحر الفنّان
التّشكيلي حسن جونه على متن شراعه الفنّي، مُتهايمًا بما يُحيط به من بصريّات و
مرئيّات و مشاهدات، تتفاعل مع رؤى إنسانيّته، يتلقّفها في ومضات من حركة بصيرته
عبر بصره، و يُدخلها في فضاءات خيالاته الإفتراضيّة، يُعيد لها صيرورتها الأولى،
مُفكّكًا عناصرها، و يقوم بإعادة تدوير شكيلاتها لمرّات عديدة، قبل أن يسكبها في
مشهديّة جديدة، ينطلق بها من إيحاءات خيالاته، التي تُحرّض وجدانه على إبتكار و
خلق الفكرة الفنّيّة في ولادتها النّواتيّة الأولى، مُرتكزًا في رحلته الفنّيّة
على مدى عمق ثقافته، مشفوعة بمدى فعاليّة تجربته التّشكيليّة، ليعود من إبحاره
الفنّيّ فوق أمواج بحاره التّشكيليّة، راسيًا بشراعه عند مرفأ القنديل الأزرق،
ممتشقًا ريشته مُمسّدًا لها بدفء حنيني بصمات أنامله، المفترّة للخلق و الإبداع،
مُحوّلاً المُبهم إلى المعروف، و غير المرئي إلى المرئيّ، بجودة فنّيّة تشكيليّة
فائقة الدّقّة، و بعناية تنظيميّة تعتمد الوعي و الإدراك، عبر مخاض له حيثيّاته و
توصيفاته الفنّيّة، لتجسيد حالة ما من الأنسنة، المُتأرجحة بين غمار كوابيس القلق،
و كواليس المخفيات من إفتراضيّات التّمنّيات...
لعبة الرّسم و
التّشكيل التي يمتهنها الفنّان التّشكيلي حسن جوني، تحمل الرّسم إلى البعد الآخر،
الذي يُلقي به في رحاب الإجتهادات الفلسفيّة، المستنبطة منطقيّا من رحم ميتولوجيا
الذّاكرة الإنسانيّة... بحيث يتحوّل المشهد في اللوحة الجونيّة، فعل رؤيا حنينيّة،
يتجلّى لها في البعد الممتدّ، ذلك الشّغف الباطني، الذي يتمّ تحويله إلى بعد
إبداعيّ، تنطوي عناصره النّعبيريّة على جدليّة، مُضرّجة بالغموض التّرميزي،
لِتُشكّل تلك العلاقة السّرّيّة بين الأنسان و الأرض التي أتى به الخالق من
صلصالها الحمئيّ...
ترتسم اللوحة
المشهديّة الجونيّة، مؤنسنة بالتّجربة المديدة للفنّان جوني، ساكبًا في ثنايا
عناصرها الكثير من الذّكاء و العبقريّات التّعبيريّة، حاملة في مضامينها تلك
الجدليّات المثيرة للتّساؤلات، التي تجعل من حركة التّرابط معادلة رمزيّة
إصطلاحيّة، تتموسق على إيقاعاتها التّرنيميّة الأحلام المرتجاة...
ثلاثيّة الفنّان
التّشكيلي حسن جوني، تُبرز أقانيمه التي يرتكز عليها في توليد لوحته، بحيث يعطي
لحركة الرّسم دورها الرّيادي في عمليّة فعل الألوان، تكاملاً مع التّفكّر في
إنشائيّات التّأليف، إبرازًا لقدراته في حركة مساراته، و توكيدًا بنظرة تفكّريّة
للبعد، محاكاة إفتراضيّة، تعتمد على الكفاءة التّفاعليّة، لجعل اللوحة الفنّيّة
التّشكيليّة، تستمرّ في مرحليّتها الزّمانيّة و المكانيّة، و كأنّها رُسمت
للتّوّ... و هذا ما يجعل من الفنّان جوني من أبرز الفنّانين اللبنانيين و العرب، و
الذي إرتبطت أمالهم الفنّيّة التّشكيليّة بحياة و معاناة الإنسان، و إلتصاقه
بالأرض التي منها أتى و إليها يعود مهما طال به العمر...
حسن جوني، فنّان
تشكيلي لبناني مُخضرم، يمتلك الكثير من العناصر التّشكيليّة و الفنّيّة، نتاج
تجاربه المديدة في المجال الفنّي، بحيث تفرض نفسها مُشكّلةً خصوصيّةً، تزيد في
الجوني ميزة كبرى، تجعل منه أمينًا و مؤتمنًا على الأماكن، التي تُشكّل لديه شغفًا
حنينيّا لتلك الأمكنة و أزمنتها، التي لها
وقعها في ذاتيّة الفنّان جوني، و التي تحتضنها ذاكرته رغم كلّ التّقلّبات...
ناقلاً أفكاره التي تتراءى له في عالمها الوجدانيّ، تشكيلاً فنّيّا، تتحدّث فيها
الأشكال عن رحلتها مع الفنّان الجوني، و تتماهى فيه الألوان مُتحدّثة في
روائيّاتها، عن تحكّمها في الضّوء و الظّلّ و الإشراقات اللمعاميّة، و هي تروي
حركة الحرارة و الدّفء و حالة البرودة و التّكامل و التّتابع و التّعارض و
التّناقض، إنّها اللغة الفنّيّة، التي إمتطى صهوتها الفنّان التّشكيلي حسن جوني،
مُترجمًا من خلالها عقلنة قلبه الخفّاق بالحنين الفنّي، و قلبنة عقله الومّاض
بالأفكار التّشكيليّة، إلى حركة خفقات و
عفقات و لونيّات و مشهديّات، ترفل لها الأبصار لتقرأها البصائر، و تتفكّر فيها
العقول...
عمر مديد دمّجه
الفنّان الجوني بتجارب تشكيليّة كثيفة، مجّد فيها الوجع الإنساني، و عالج فيها
المعاناة الحياتيّة، رافعًا إبداعاته الفنّيّة في تجلّيات إلى أبواب السّماء،
توكيدًا لمصداقيّته و إعترافاته، بما رسم و أبدع لما رأىببصره، و ما رأى
ببصيرته... فكان صادقًا مع ذاته و صادقًا مع مجتمعه و بيئته و إنسانه...